خاص – السابعة الإخبارية
حي القيمرية، هو حي تاريخي عريق تنبض الحياة بداخله، ولا يمكن لأي شخص يفكر في القدوم إلى دمشق أن تغفلَ عنه فكرة المرور بحي القيمرية الواقع في قلب دمشق القديمة؛ فهو الحي الأقدم والأعرق والأكثر تميزاً وتمايزاً، يكمنُ الجمال في دهاليزه وفي تفاصيل الحياة البسيطة بداخله، فمنذ الوهلة الأولى تشعر بالحنين بسبب ضيق أزقة العبور للمشاة وتقارب الأجساد؛ مما يُشعرك كقادم إليه بأنك قريب من الجميع.
يعتبر القيمرية واحداً من أعرق أحياء الشام وأجملها؛ فهو قلب دمشق وجار الجامع الأموي وأحد عناوين أصالته، كان ولا يزال من أشهر أسواق دمشق القديمة وأفضلها في السمعة؛ فهو مقصد للزوار والسوَّاح من جميع أنحاء العالم، يضم أمهر الصناع وأشطر التجار، ولطالما افتخر أهل الشام بمصاهرتهم لعائلات القيمرية؛ لما يتمتعون به من سمعة حسنة ومكانة مرموقة في المجتمع الدمشقي.
يضم الحي بيوتاً تراثية أصلية لأكثر من 800 عائلة دمشقية، كما يضم باب جيرون، ومقهى النوفرة، وسوق الخياطين، والكنيسة المريمية، وحمام البكري، وحمام الشهبندر، وحمام مدحت باشا، ومكتب عنبر، وزقاق الشهبندر، وحديقة القشلة التي اشتهرت بزحامها المستمر خلال ساعات الليل والنهار، لقد قيل عنه إنه حي الحريمين؛ نظراً لكثرة وجود النساء -الحريم- بداخله، وقيل أيضاً إنه حي الطرازين؛ نسبة لكثرة الذين يعملون في الخياطة والتطريز فيه، فكان مشهوراً بورشات الخياطة، كما قيل إنه حي الهند الصغرى؛ لأنه كان وما زال سوقاً ومركزاً كبيراً عريقاً لصناعة الحرير.
أسباب التسمية
هناك ثلاث روايات عن سبب تسميته بهذا الاسم؛ فالأولى تقول إنه نسبةً إلى شيخ قد عاصر الحروب والفتوحات الإسلامية يُدعى قَيمَر. ورواية ثانية تقول إنه سُمي بذلك نسبةً إلى “أمارايا”؛ الكنيسة المريمية في حقبة العصر المسيحي الأول. أما الرواية الثالثة، وهي الأكثر شيوعاً وتصديقاً، فتقول إنه سُمي بذلك نسبة إلى المدرسة القيمرية الكبرى التي بناها الأمير ناصر الدين الحسين بن عبدالعزيز بن أبي الفوراس الكردي، سنة (650هـ- 1252م)، وكانت السوق تُدعى قبل ذلك بسوق الحريمين، وبقيت تُذكر بهذا الاسم في فترات لاحقة، حتى شاع اسم سوق القيمرية في العهد العثماني.
تركز في الحي صناعات عدة، منها: صناعة الحرير والأغباني والموزاييك الخشبية والنجارة والصباغة والطباعة، إلى جانب بعض الصناعات الغذائية والمعدنية، لذلك أطلق عليه تشبيهاً اسم الهند الصغيرة، كما أن معظم أبناء القيمرية كانوا يعملون بالنوالة؛ أي النسيج، وتأتي حرفة تطعيم الخشب بالصدف في المرتبة الثانية، وهي لا تزال موجودة حتى اليوم في الحي، وكان يوجد عدد لا بأس به من ورشات صياغة الذهب؛ ولكنها تحولت اليوم إلى محلات تجارية عامة، كما كان يوجد في القيمرية “مصبنة” لصنع الصابون، والحي الآن ممتلئ بالمحلات الشرقية التي تبيع أشغالاً يدوية وتذكارات قديمة تجذب السياح لاقتنائها.
ومن أهم العائلات التي سكنت الحي عائلات مثقفة ولها تاريخ عريق في التجارة؛ أشهرها عائلة زين العابدين، والتي تعتبر من كبرى العائلات الدمشقية بالحي، وكذلك عائلة القادري، وعائلة الكلّاس، وعائلة الخان، وعائلة الطرابيشي، وعائلة الذهبي، وعائلة الركابي التي ينحدر من جذرها علي رضا الركابي؛ وهو سياسي سوري أسهم في تشكيل أول حكومة سورية بعد أن استقلت عن الحكم العثماني، وأصبح رئيساً للوزراء في إمارة شرق الأردن في العهد الفيصلي.