متابعات- السابعة الإخبارية
خلال الحقبة الممتدة من عام 1968 وحتى عام 2003، مر العراق بسلسلة أزمات وحروب داخلية وخارجية وأعمال قمع وعنف متصاعد، سواء من قبل الأجهزة الأمنية أو من الجماعات والفصائل المسلحة وتنظيمي “القاعدة” و”داعش” خلال الفترة التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين.
وكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة أمس الثلاثاء أن ما يصل إلى مليون شخص اختفوا في العراق على مدى نصف القرن الماضي.
وحضت اللجنة الأممية المعنية بحالات الاختفاء القسري في العراق على البحث عن الضحايا ومعاقبة الجناة، مضيفة أن “عدم تحديد الاختفاء القسري كجريمة في القانون العراقي يقف حائلاً أمام ذلك”.
وحثت المنظمة الأممية العراق على وضع الأساس فوراً لمنع هذه الجريمة النكراء والقضاء عليها ومعالجتها.
وأوضحت اللجنة الأممية أن ما يصل إلى 290 ألف شخص اختفوا قسراً بين عامي 1968 و2003. واستمر الاختفاء بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وشهد اعتقال ما لا يقل عن 200 ألف عراقي، احتجز نصفهم تقريباً في سجون يديرها الأميركيون أو البريطانيون.
وأضافت اللجنة أن موجة جديدة من عمليات الاختطاف تزامنت مع إعلان تنظيم “داعش” في البلاد.
وخلص التقرير إلى أن هناك تقديرات باختفاء ما بين 250 ألفاً ومليون شخص منذ عام 1968، وطالبت الأمم المتحدة بغداد بتشكيل فريق عمل مستقل لضمان وضع قوائم بأسماء المحتجزين وإبلاغ عائلاتهم بأماكنهم.
مراحل عدة
ومنذ سبعينات القرن الماضي شهد العراق حالات إخفاء قسري تمثلت في أكبر عملية ترحيل للكرد الفيلين إلى إيران والذين لم يعرف مصير الآلاف منهم حتى الآن، فضلاً عن جهل مصير عشرات آلاف المعتقلين على يد جهاز الأمن العراقي خلال فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات والتي لم توضح وثائق الجهاز ما حدث لهم، أو أشارت إلى وجود قبور لهم في حال تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم.
وينطبق هذا الأمر على عشرات الآلاف الذين اعتقلوا خلال العمليات العسكرية ضد المناطق الكردية في ثمانيات القرن الماضي أو في مناطق الجنوب خلال الاضطرابات التي حصلت في مارس (آذار) 1991 عقب طرد نظام صدام حسين من الكويت.
مفقودو حرب الخليج الأولى والثانية
وعلى رغم انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية قبل 35 عاماً، لا يزال مصير عشرات آلاف المفقودين من الجنود العراقيين مجهولاً حتى الآن، وهذا الأمر ينطبق على حرب تحرير الكويت لكن بأعداد محدودة.
الجماعات المسلحة
وبعد عام 2003 شهد العراق سلسلة عمليات الكبرى للإخفاء القسري التي راح ضحيتها آلاف المواطنين في الفترة الممتدة من عام 2005 وحتى عام 2009، إذ خطف هؤلاء على يد تنظيم “القاعدة” والجماعات المسلحة الشيعية في عمليات جرت في محافظات الأنبار ونينوى وبغداد وصلاح الدين وكركوك ومناطق جرف الصخر واللطيفية التي تقع شمال محافظة بابل، وجنوب بغداد.
أبرز العمليات
ولا يزال مصير رئيس اللجنة الأولمبية العراقية أحمد الحجية وعشرات الرياضيين مجهولاً بعد اختطافهم في يوليو (تموز) 2006 في بغداد، فضلاً عن المصير ذاته للعاملين في دائرة البعثات وسط العاصمة نهاية العام ذاته.
كما اختفى في العام ذاته كل من وكيل وزارة الصحة العراقي القيادي في حزب الدعوة عمار الصفار، واختفى أيضاً المرشح لمنصب وكيل الوزارة من قبل “الحزب الإسلامي” علي جواد المهداوي بعد دخوله مبنى وزارة الصحة نهاية عام 2006.
ولا تزال العديد من الأسر العراقية تبحث عن أبناءها الذين اختفوا خلال فترة العنف الطائفي ما بين أعوام 2005 ومطلع 2009.
مواجهة داعش
وشهد فترة نشاط التنظيم منذ عام 2013 وحتى طرده عسكرياً من المدن العراقية نهاية 2017 عمليات خطف كبيرة للجنود العراقيين ومنتسبي الأجهزة الأمنية والمدنيين في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وأطراف كركوك وشمال بابل، إذ قام “داعش” بخطف آلاف الجنود العراقيين وعناصر الأجهزة الأمنية والمدنيين عام 2014، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن. ومن أبرز عمليات الخطف التي نفذها هي خطف آلاف الأيزيديين والتركمان خصوصاً النساء، اللواتي لا يزال مصيرهن مجهولاً بعد سنوات من انتهاء العمليات العسكرية.
وينطبق الأمر ذاته على اختفاء المئات من سكان منطقة الصقلاوية بمحافظة الأنبار والذين اعتقلتهم الفصائل المسلحة واقتادتهم إلى جهة مجهولة، فضلاً عن العشرات من سكان ناحية جرف الصخر شمال بابل وعدد من مناطق محافظة ديالى.
تظاهرات تشرين
وشهدت “تظاهرات تشرين” في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وما تلاها من حالات إخفاء قسري لمدنيين وناشطين، أبرزها حال اختفاء الصحافي في جريدة “الصباح” توفيق التميمي في مارس 2020 بعد خطفه من قبل مجموعة مسلحة شرق بغداد.
كما اختفى الكاتب والناشر والمؤلف مازن لطيف في فبراير (شباط) 2020 ولا يزال مصيره مجهولاً.
وينطبق هذا الأمر على الناشط سجاد المشرفاوي (سجاد العراقي) الذي خطف في محافظة ذي قار في سبتمبر (أيلول) 2020 بمحافظة ذي قار ولا يزال مصيره مجهولاً.
أرقام مجهولة
ولا يرى مدير “مركز العراق للدراسات الإستراتيجية” غازي فيصل إمكاناً لتحديد عدد المغيبين، فيما أشار إلى أن “التقارير الدولية تقريبية”.
وقال فيصل إنه “من المؤكد أن التقرير الصادر من الأمم المتحدة حول الجرائم المرتكبة بالعراق والتي تشكل انتهاكات عميقة لمبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي واحترام التعددية القومية والسياسية والاجتماعية والدينية قدرت بين 250 ألف ومليون حالة منذ عام 1968″، مرجحاً أن يكون هذا الرقم متواضعاً قياساً لما مر به العراق خلال أكثر من 40 عاماً.
وأضاف أن “الضحايا الذين سقطوا خلال الحرب العراقية – الإيرانية من البلدين يقدر عددهم بمليون إنسان، ثلث من العراق وثلثان من إيران إضافة إلى الأسرى والمفقودين”، مبيناً أن “السلطات لا تزال تعثر على جثث الجنود بعد مرور 40 عاماً على الحرب مما يشير إلى حجم الضحايا والمفقودين”.
حقبة كزار
وأوضح أن هناك من تم قتله أو تغيبه خلال حقبة ناظم كزار مدير الأمن العام الأسبق (1969-1973)، من جرائم خطرة في مجال التغييب والتعذيب وغيرها من الجرائم، فضلاً عن تعرض الكرد إلى التغييب في الأنفال والمواجهات المسلحة بين الجيش العراقي والبيشمركة في عهد النظام السابق مما أوجد ضحايا ومغيبين ومهجرين كرد الى مدن الجنوب.
آخرون في القائمة
وبين مدير “مركز العراق للدراسات الإستراتيجية” أن “ضحايا كثر سقطوا وفقد آخرون خلال الحرب العراقية – الأميركية عام 1991، فكان عدد الضحايا العراقيين كبيراً جداً بسبب العمليات العسكرية الكبرى التي دمرت 2500 مؤسسة ومصنع خلال الحرب والتي نتجت من غزو العراق للكويت عام 1990”.
أعداد كبيرة
وتابع فيصل أنه “بعد عام 2003 ونتيجة المواجهات بين القوات الأميركية والجماعات المسلحة على مختلف مسمياتها وما أعقبها من أزمة طائفية بين عامي 2006 و2009 والقتل على الهوية أدت إلى مقتل كثيرين وتغييب أعداد أخرى”، مبيناً أن سيطرة “داعش” على عدد من محافظات العراق عام 2014 وتنفيذه مجازر كبيرة أدت إلى تغييب أعداد كبيرة لا يعرف مصيرها لحد الآن، فضلاً عن سلسلة الإعدامات.
جرائم دستورية وقانونية
واعتبر أن ما حصل من جرائم انتهاك للدستور والقانون والنظام وانتهاك للحقوق المدنية للشعب العراقي يشكل انتهاكات لحقوق الإنسان والديمقراطية، داعياً مؤسسات الدولة التي وقعت على اتفاق الاختفاء القسري إلى مواجهة أي تنظيم من هذه التنظيمات التي واجهت عمليات القتل والاختفاء العشوائي واللجوء للقانون.
مصير المغيبين
من جهة أخرى أكد الخبير القانون علي التميمي أن “العراق وقع على اتفاق الإخفاء القسري وهو ملزم في الكشف عن مصير المغيبين”.
وقال التميمي إن “الاتفاق الدولي لمنع الاختفاء القسري لسنة 2006 والذي وقع عليه العراق بموجب القانون 17 لسنة 2010، يعرف الاختفاء القسري بأنه اعتقال أو إخفاء أو حجز أو خطف الناس من دون أسس قانونية”، مبيناً أن “تلك الممارسة محرمة حتى في زمن الحروب”.
اتفاقات دولية
وأضاف التميمي أن “هذا الاتفاق ألزم الدول الأعضاء الموقعة عليه بمعرفة الأسباب والتحقيق لمعرفة مصير الضحايا وتقديم الجناة للعدالة، لافتاً إلى أن المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أحقية المنظمة الدولية في مراقبة تنفيذ هذه الاتفاقات وفرض عقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي على الدول التي تخل بها خصوصاً في ما يتعلق منها بحقوق الإنسان”.
العفو ضرورة
وأشار التميمي الى أن “العراق يحتاج إلى تشريع قانون العفو العام بعد التطورات التي حصلت بعد الحرب ضد ’داعش‘ ولفتح صفحة جديدة تناسب هذا الحدث المهم”.
عقوبات رادعة
واكد أن “القانون العراقي وضع عقوبات مشددة لمن قام بالخطف بالتحايل أو الإكراه، ويعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات أو بالإعدام إذا اقترن الخطف بجناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه”، مشيراً إلى تشديد العقوبة لتصل إلى 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة لو كان الخطف مصحوباً بطلب فدية والسجن المؤبد إذا كان المخطوف طفلاً أو أنثى.