الشارقة – السابعة الاخبارية
قدم الدكتور منصور جاسم الشامسي (الباحث العلمي في التراث الشعري الاماراتي) ورقة بحثية حول شاعر دولة الإمارات العربية المتحدة صالح بن علي بن عزيز المنصوري جاء فيها:
بهذهِ المناسبةِ، هناكَ ضرورةٌ لقراءةِ أشعارِ الشاعرِ صالح بن علي بن عزيز المنصوري، التي أسميتها “تَرانيمَ إماراتيَة”.
لنفهمَ أكثرَ مُنْجَزاً إماراتياً أدبياً شعرياً إبداعياً رصيناً، فنعملَ على الاهتمامِ بهِ ونشرِهِ لنعرفَ حِكمةً عميقةً، وندركَ عاطفةً جيّاشةً، وشجناً، ونغماً، وجَمالاً، ووطناً في شِعرٍ، وتعلّقاً بقِيمٍ.
ونتلمَّسَ معارفَ لدى الشاعرِ، نحتاجُ إلييها، في الحياةِ، كما يرتقي، ذوقُنا الأدبيُّ، وتسمو ذائقتُنا الشعريةُ، بشكلٍ خاصّ.
إذن نحنُ أمامَ وثيقةٍ أدبيةٍ شعريةٍ اجتماعيةٍ ووجدانيةٍ ووطنيةٍ وتاريخيةٍ إماراتيةٍ بامتياز.
وُلدَ الشاعر صالح بن علي بن عزيز بن عبد المعين المطاوعة البومنذر المنصوري، عامَ 1939 ، في إمارةِ أبوظبي بمنطقةِ الظفرةِ في بينونة، بالمنطقةِ الغربيةِ، ونشأَ وتربّى وعاشَ حياةَ الباديةِ بينَ أهلهِ وأفرادِ قبيلتِه.
ومارسَ الشعرَ وهو في سنِّ الشبابِ، وعاصرَ ظهورَ النِّفْطِ ونشأةَ دولةِ الإماراتِ العربيَّةِ المتَحدة، وتطوّرَها المتسامِقَ. وقبلَ قيامِ الاتحادِ، وفي شبابِهِ الباكرِ عَمِلَ الشاعرُ في المحطّةِ التابعةِ لبريطانيا في الشارقة.
ولاحقاً عملَ في شركاتٍ نَفْطيةٍ بمنطقةِ الظّفرة كما عَملَ في قُوّاتِ حَرَسِ الحُدود.
ثم انضمَّ إلى الحَرَسِ الخاصِّ لصاحبِ السّموِّ رئيسِ الدولةِ، حَفِظهُ الله.
وقدْ أصبحَ عضواً في مجلسِ شعراءِ الباديةِ بإمارةِ أبوظبي. وشاركَ في كثيرٍ من المُنتدياتِ الشعريّةِ المحليةِ والخليجية. والشاعر صالح المنصوري، من أبرزِ شعراءِ .
كما ذكر الباحث د.منصور الشامسي
لقدْ شدّني الشاعر صالح المنصوري، فأهديته نصّي هذا
ما أَوْجَبَ انْشِدادي لَكَ
حُسْنُ حَديثكَ وقَلْبُكَ الماءُ
وشَدْوُ الحَمامْ
وَقَفْنَ إزاءَكَ كَجُنودِ سُلَيْمانْ
وأَنْتَ شاعرُ الحَنينِ الأُعْجوبَةُ
قَدْ رَماني سَهْمُكَ
وتَرَفُ الحِزامْ
شَدَدْتَ بِهِ خَصْرَ الغَمامْ
فَغارَتِ الأَزْهارُ مِنَ الأَزْهارْ
مُدَّ شعرك دُهوراً يا شاعر
تُفْرحْ بِها أَكْباداً حَرّى
وتَنْتَشي حِسانْ
مَداخلُ جماليّةٌ
لفهمِ قصيدةِ الشاعر صالح المنصوري
هناكَ مَداخلُ جماليّةٌ لفهم شعر صالح المنصوري:
1) عاطفتهُ أو قلبهُ ووجدانُهُ الذي رسمَ له خريطةَ قصيدةٍ غزليةٍ شفّافةٍ عَذبةٍ معبّرةٍ ومحرّكةٍ لخيالِ القارئ.
2) روحُهُ وعَقْلهُ اللّذان رسما له خريطةَ حبٍّ لقيادةِ دولةِ الإماراتِ الحكيمةِ الرّشيدةِ وسياستِها، ورؤاها الجماليةِ التي يمكنُ لنا كذلك أن نسمّيها القصيدةَ الوطنيّة.
في كلا المسارينِ المتشابكَيْن: العاطفيِّ والوطنيِّ، يلتحمُ قلبُ الشاعرِ ووجدانُهُ وروحُهُ وعقلُهُ؛ فالشاعرُ جميلٌ يُدركُ الجمالَ في الحبِّ الخالدِ والأصيلِ والعُذريِّ.
كما يدركهُ في الطبيعةِ والنَفسِ البشريةِ والسياسةِو هناك صَبْوةٌ وغِبْطةٌ وطُمأنينةٌ وطاقةٌ إبداعيّةٌ وتحوّلاتٌ بين قيمِ القديمِ وقيمِ الحَديث
فشاعرُنا فارسٌ يَجولُ بين جمالِ الطبيعةِ الصحراويةِ، وجمالِ الخُلُقِ وجَمال الخَلْقِ وجمالِ السياسةِ والتدبيرِ والقيادةِ الواعيةِ الفذّةِ.
هنا وميض وبصيرةٌ عندَ شاعرِ الإماراتِ والظفرةِ والمناصيرِ الكبيرِ، يلتحمُ الفردُ بالوطنِ بالإقليمِ ومَراتعِ الصبا بالقبيلةِ في كُتلةٍ واحدةٍ مُتراصّةٍ متماسكةٍ متكاملةٍ، فنحن أمامَ مُتحفٍ شعريٍّ؛ ندخلُ ونتأمّل.
من أشهر قصائده الشاعر القصيدة “الهائية” وقد قالها أو أطلقها في الثمانينات من القرن الماضي.
كنا مازلنا في مرحلةِ الدراسةِ الثانويةِ في ذلك الوقتِ الجميلِ حين نُشرتْ في صدر صفحةِ الشعرِ النبطيّ بجريدة البيان القصيدتان معاً (قصيدة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي) وقصيدةُ الردّ للشاعر صالح المنصوري.
وقد تناول الدكتور منصور الشامسي طرفاً من أشعار المنصوري منها:
رائعة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد مطلعها
حيّ بالبيوت وحيّ من هو نشرها
مثايل ذربه وعدله معناها
خصّيتني واثني واقدّم شكرها
يا ذا الحبيب اللي تعرف مْعنَاهَا
تراحيبي عد ما خط بسطرها
واعداد ما تذري الذواري ذراها
مثل الطبيب اللي يعالج بصرها
يبغي يعالجها سعى في عماها
رُوْح المولّع دايم في خطرها
ومن هيرهم ما نلت إلاّ شقاها
وقد ردّ على رائعة الشيخ محمد بن راشد شاعرنا صالح المنصوري برائعته الهائية:
شيخ على زين المعاني فسرها
حاكم حكيم القاف سَيْس بناها
نادر حرار وكل دارٍ ذكرها
ويدعى لها بالخير والله كساها
راعي (أ) مهارٍ شايعاتٍ خبرها
تركض براية عِزّ بأقصى مداها
وحولٍ أصايل م الشطارة عمرها
سلكات ما تومي عليها عصاها
الله يا منزل عظايم سورها
يا رافع سبعٍ وسبعٍ رساها
تحميه من جملة صوادف شررها
وعسن نفسه تهتني في مناها
يا شيخ هذي كلمتي واعتبرها
ومن قلّط الحسنات يبغي جزاها
لايّام مادامت الْمِنْ هو ذخرها
تجبل وتجفي مِعْطياتٍ قفاها
دام الليالي مقبلات ابنحرها
عطها على المطلوب واتبع رضاها
واعط الليالي سعدها في سبرها
لا بدّ ما تجفي ويجفي صباها
وبي ونتٍ ضاق الصدر ما قهرها
وسبع الأراضي ضايقٍ بي فضاها
يا لله من عِين بعيدٍ نظرها
عيّت تهون أو لو قِصرنا خطاها
ذبيّت أنا فيما زما من قورها
روس المبادي شوّقت من رقاها
واعوي كما ذيبٍ بتالي سحرها
بان الصباح أو صيدته ما لقاها
في الليلة اللي ما يجدي سفرها
وسحم الصواري عَدّته من عشاها
لاسباب من عينٍ تزايد عبرها
واللي وزاها من عناها كفاها
وكثر الطواري ما عذرت من عذرها
ويلزم علينا موقف في لقاها
ما ينعرف ورّادها من صدرها
ولاسباب من شيٍّ علينا حداها
هاض الغرام وزاد مجمع فكرها
وبيوت قافٍ وايبت من دعاها
يا مرحبا بعداد من هو نشرها
عد الحروف اوعَدّ من هو قراها
واعداد من سافر ابموجه بحرها
وعد البرور او عد من هو وطاها
واعداد قصّادٍ لمكة: نحرها
واعداد من صلى فروض أو قضاها
واعداد ما مَرّت ليالي شهرها
وعد الوحوش التي تِقِرّ ابخلاها
ببيوت قاف شوقت من حضرها
على الجِدا والحق نشكر ثناها
للقايد اللي مبعداتٍ ديرها
عسره على القنيص ماقد رماها
ترعى بدق الصيد تاخذ حذرها
وتسبر على دق المها في ذراها
يا شيخ سامح كل شيءٍ قصرها
راعي النشيدة قالها واشتراها
ذبّيت أنا فيما زما من قُورها
روس المبادي شوقت من رقاها
ومن عذب غزلياته:
ويجزيه رَبّه في جمِيله وحَسْنَاه
بِرُوحٍ عِتَقّهَا حَايِنِهْ مِسْتِذِلِّهْ
وِيَعْطِيّه من كمَّلْ جَمالِهْ وزَكّاه
على جَمّالْ الحُور في صُوْرِةٍ لِهْ
وسبحان من صَوّر بِعَينِه دَعَايَاه
تِحّت الْحِرَابْ الّلي حِدَادٍ مِظِلِّه
والخْدّ بَرّاقٍ تِسُوْقَه رِفَايَاه
بَرْقٍ سَرىَ بالَّلْيل في مُوْسِمٍ لِهْ
راعِي يِدِيْلٍ فوق الاَرْادف يِزْهَاه
تِشْكِي الرِّدايف مِنْ يِدِيْلٍ يِهِلِّه
وحِبِّه تِبَلاّنِي عَلى غَايةْ اصْبَاه
ولا رَيتْ زُولٍ عاضِنِي في مَحَلِّه
وصَالَحْ غِرِيقْ ويِرْفَعْ اليوم شكواه
جِدوىَ لِزِيْمٍ سَابِقٍ مِشْتِكٍ لِهْ
وارْسِلّ سلامي والبيوت المْنِقَّاه
جِدوىَ شِرِيْفٍ والشَّرَفْ عَادِةٍ لِهْ
من أجملِ ما شدى به الشاعرُ، قصيدةٌ مُهداةٌ إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – القائد المؤسس – طيّب الله ثراه، بمناسبة العيد الوطني 1992 لدولة الإمارات العربية المتحدة.
يقول في متنها:
دار الصخى ومروّة واحتشامي
دار المعزة والسلوم النقيّه
واللّي وزاها لاجيٍ ما يضامي
ترتاح نفسه عقب ماهي شقيه
ومبروك يا عيدٍ خْلاف الصّيامي
عيدٍ خْلاف الصّوم بإخلاص ونيّه
وربحان من هو كمّله بالتّمامي
صام النهار وساجد له عشيه
عيدٍ نهنىّ به رفيع المقامي
القايد اللي له شْبورٍ وِفيّه
عيدٍ عليه يعود في كل عامي
عيدٍ سعيدٍ والليالي هنيّه
عيدٍ نهني به شيوخ أكرامي
أهل الوّفاء والجود وأهل الحميّه
وأهدي لهم مني جزيل السلامي
سلام وتزفّه عطورٍ شذيه
شِعرُ الشاعرِ صالح المنصوري، يُعْنى بالوصول إلى لُبِّ الأشياءِ والمواضيعِ التي يتناولها، سواءٌ في شعرهِ العاطفيِّ والوجدانيِّ والوطنيَ، تماماً مثلَ “عِلمِ الجمال” أو انعكاساً لهُ أو رافداً من روافدِه؛ يُعْنى بالوصولِ إلى حقيقةِ الأشياءِ والمواضيعِ والظواهرِ والأفراد.
شاعرُنا في مَنظومةِ “عِلمِ الجَمالِ” يهدُفُ للوصولِ إلى “جَوهرِ الأشياءِ الجماليِّ”، وكلاهما؛ “الشاعر صالح المنصوري” و”عِلمُ الجمال” يَسعى إلى الاكتِشافِ والاستكشافِ والجديدِ والتّجديد.
هناك صورٌ جماليةٌ في شعر صالح المنصوري، منتظمةٌ تَحوي العاطفةَ والحبَّ والوجدانَ والأخلاقَ والدينَ والوطنيةَ في نَسيجٍ متشابكٍ، مَرئيٍّ وغيرِ مَرئيٍّ.
ومحوريةَ الإنسانِ، والاعتدالَ، والائتلافَ، ومُحاكاةَ عالمِ المُثل، ومُحاكاةَ جماليّاتِ الطبيعةِ الصحراويةِ المحسوسةِ والملموسةِ، والموجودةِ حولَ الشاعرِ في الظفرةِ وغيرِها من فَضاءاتٍ وأمكنةٍ مُلهِمةٍ مرَّ بها الشاعرُ في حياتهِ، فعشقَها بِسِماتِها وصفاتِها.
فتلمّسَ في شعرهِ تراتبيّةً، وزينةً، وتناسباً، ونظاماً، وتجانساً، وتنميةً للإدراكاتِ الوجدانيةِ للجمالِ لَدَيْنا.
الشعرُ منهجيّةٌ معرفيةٌ، تسهمُ في بناءِ الوعيِ، وصنعِ المعرفةِ، و اكتسابِها، فالشاعرُ في موقعِ “الفاعلِ” و”المُغَيّرِ” و”الباعثِ” و”المؤثّرِ”، وينحو دائماً للتغييرِ المستمرِّ، لمواكبةِ التجديدِ والجديدِ عبرَ “شعرِه”.
فالشاعرُ ليس جامداً، يتمسّكُ بأنماطٍ محدّدةٍ في حياتهِ أو صورٍ معيّنةٍ في شعرِهِ، بل الشاعرُ، وشاعرُنا هنا صالح بن عزيز المنصوري ، مثالاً، يَمضي للأمامِ وتتنوّعُ الأشياءُ لديهِ وتتلوّن.
كذلك لديهِ “المنطقُ الجَمَاليُّ” الذي يَعي الواقعَ المَعيشَ حيثُ تتشابكُ ثلاثيةٌ أساسيةٌ: الكونُ، والإنسانُ، والحياةُ، فيتفاعلُ معها وفقَ منطقِهِ الجماليِّ الظاهرِ في شعرِهِ؛ فما شعرُهُ سوى انْعكاسٍ لهذهِ الثلاثيّة.
وهُنا الشّعرُ يُقاومُ أو يَتجاوزُ النّزعةَ الحِسِّيةَ، الشّكليةَ، السطحيّةَ، المظهريَةَ التي تقفُ عندَ ظاهرِ الأَشياءِ، نَحوَ “الجَمالِ غَيْرِ المَرْئيّ”، غَيْرِ المُشاهَدِ؛ غَيْرِ الظّاهري؛ الكامنِ، الخَفيّ.
الشاعرُ رائدُ “الفكرِ الجمالي”، يحملُ نواميسَ الكونِ والحياةِ والإنسانِ، المتضمِّنةَ لعناصرِ الديمومةِ والاستمرايةِ والتجديدِ.
و “الموقفُ الجماليُّ الإنسانيُّ”، يُعدُّ انعكاساً لهذا الفكرِ، بمعنى أنْ تكونَ مواقِفُ الشاعرِ في الحياةِ جَماليّةً؛ تتَضمَّنُ مَصلحةً للكونِ والحَياةِ والإنسانِ؛ وهذا مُتَضَّمِنٌ للوَطنِ والحُبِّ الكامن.